مهمّة الجامعة في كل بلاد أنْ تُخرِّج الإنسان، فهي مأمورة بصنعه.
فمن الممكن أن يتخرَّج فيها إنسان يُنقِذ بلاداً، ومن الممكن أن يتخرّج فيها آخر يجرُّ بلاداً إلى الهلاك.
هذه هي وظيفة الجامعة المهمّة، ومقدّرات كل بلاد بيد الجامعة ومَن يتخرّجون فيها.
فهي أكبر مؤسسة في البلاد، وعليها أكبر المسؤوليات.
من هنا جعلها الأجانب متخلّفة بأيدي عملائهم، ورسموا لها- على الاصطلاح الاستعماريّ- برامج كانت استعمارية، لأنهم يخشون أداءها الصحيح.
وهذا هو شأن علماء الدين، فمن الممكن أن ينقذ عالم دين بلاداً، ومن الممكن أن يُهلكها.
وهذان القطبان: الجامعة- بمعنى الكلمة- كل الجامعات، وعلماء الدين بيدهما مصير الشعب، ولهذا كان عملهما أسمى وأشرف من كل عمل، لأنه عمل الأنبياء، وكل الأنبياء جاؤوا لتهذيب الناس الذي يتمّ به كل شيء.
والقرآن الكريم هو كتاب لصنع الإنسان، وكل الأنبياء مسؤولو هذا الصنع.
وهذان القطبان: الجامعة، ورجال الدين كلاهما مسؤول عن هذا الصنع، فعملهما أشرف الأعمال، لأنه عمل الأنبياء، ومسؤوليتهما أعظم المسؤوليات، لأنّ كل شيء يُصنَع فيهما.
ولذا انشدَّ نظر الأجانب إليهما، لكنّهم حطَّموُا كُلًّا مِنهما بنحو من الأنحاء.
عداوة رضا خان للحوزة والجامعة:
لا أحد منكم يذكر، وأنا رأيت حين جاء رضاخان ظهر في البدء مسلماً ووطنيَّاً وأمثالهما، حتّى إذا استتبّ له الحكم، كانت أول حملة له على علماء الدين، فَدَقَّهم من كل جانب دَقَّاً كان لي حينه درس في المدرسة الفيضيَّة، فلمّا حضرته يوماً وجدتُ طالباً واحداً قال لي: هرب الجميع فجراً من المدرسة وغرفهم، وآخر الليل يعودون، فالشرطة في أثرهم تأخُذهم، أو تخلع ملابسَهم، أو يعطونها عهداً بما تريد.
كانوا يحبسونهم، ويضيّقون عليهم في أرجاء البلاد، ويكبتونهم.
أمّا فيما يتعلق بالجامعة، فقد كانت نظرته أنّه لا يمكن إغلاقها، فتركها مفتوحة، لكنّها لم تكن الجامعة التي تنفع شعباً، وتسدّ حاجَته، فقد جعلها في حال يتخرَّج فيها من يخدمه.
فَدَعَوا للغرب، ورَوَّجوا ثقافته فيها، حتّى تخرَّج شُبّاننا فيها متغرِّبين.
ففي هذه الجامعة دعا الأساتذة (طائفة منهم) للغربيّين- وهم منهم- على وفق خطّة دعاية صار بها شبّاننا يخدمونهم، ولا ينفعون وطننا.
لقد غسلوا أدمغتهم، وجعلوا الفكر الغربيّ فيها مكان الفكر الإنسانيّ والإيرانيّ، حتّى صار اعتقاد فتياننا وشبّاننا- ولعلّ اعتقاد أكثرهم الآن هكذا- أنّه يجب أن تكون أشياؤنا غربيّة.
بَثُّوا الدّعاية بثَّاً مازالَ هو هو اليوم.
الانبهار وفِقدان الاستقلال الفكري:
في الوقت الذي يكون فيه الطبيب بيننا يقولون: نأخذ من يمرَض إلى أوربّة، لِفِقداننا الثقة بأنفسنا وخلوّ إرادتنا من الاستقلال.
كل ما لدينا هو إتباع الغرب.
وحين نريد أن تستقرّ الجمهورية الإسلامية، وننفصل عن الغرب، ونستقلّ استقلالاً شاملا، نجد فئة من المتغرِّبين يقبلون الجمهورية، ويأبون الإسلامية، ويُؤْثرون الديمقراطية.
وهذا لأنّ هؤلاء ليسوا بناس خائنين لكن مشتبهين.
فهؤلاء لُقّنوا وعلِّموا في هذه المدارس وحيثما ذهبوا كان الحديث بالغرب وحرّيته وحقوق الإنسان وجمعياتها وأنصارها.
فما هم بخائنين ولا سيِّئين، لكنّهم وثقوا بكثرة ما قيل لهم.
وما عند الغرب من تقدّم هو تقدّم مادّي.
الافتراس الغربي ووحشيته:
يُربّي الغرب الدنيا تربية مقاتِل فظ، فتربيته تسلب الإنسان إنسانيّته، وتدعه كائناً مفترساً، وحيْثما تنظروا في العالَم المفترض هدوؤه الآن وبعده عن الحرب تجدوا القتل في كل بلاد بتدخُّل أمريكة والاتحاد السوفيتيّ.
فالقتل في أفغانستان بتدخّل الاتحاد السوفيتيّ. وفي كثير من الأماكن. والقتل في لبنان بتدخّل أمريكا.
فالغرب يربّي حيواناً، وذاك ليس بهاد، وإنما هو وحشيّ مفترس.
فتقدّمه غير إنسانيّ، بل حيوانيّ، وتربيته ليست إنسانية، وإنّما هي حيوانية نعني الحكومات لا الشعوب، فالحكومات ومن تُربِّي في منأى عن الإنسانية، ولذا تقدّم في تربية الحيوان، وصنع آلات الدمار، فالبارحة أو الليلة التي سبقتها ورد في الصحيفة أنّهم صنعوا قنبلة تفوق تلك التي ألقَوها على اليابان خمس مرّات.
فعمل الغرب هو أن يصنع ما يقتل به الناس، والفخر هو أن يصنع قنبلة تفوق خمس مرات تلك التي قتلتْ مئتي ألف نسمة في مدينة.
هذا هو التقدم، ونحن وثقنا أنّ كل شيء في الغرب.
لا، فما في الغرب تربية حيوان مفترس ضار، ويصنع آلات هي مخالب الحيوان وأنيابه إلّا أنها أمضى منها مئات الآلاف.
المطهّرون في مدرسة التوحيد:
الغرب لا يصنع الإنسان، إنما تصنعه المدرسة الإلهية التوحيدية، فهو همّ جميع الأنبياء.
فالبلاد التي يكون فيها هذا الإنسان تنعم بحريّة لا تمسُّ الغير واستقلال فكريّ وروحيّ وإنسانيّ.
والأنبياء أرادوا صنع الإنسان، والقرآن هو كتاب هذا الصُّنع.
فمتى كان هذا الإنسان في بلاد نَعِمَتْ بالطُّمأنينة.
ولو تربّى أبناء بلاد على التعاليم التوحيدية الإنسانية الإسلامية، لكانوا على تعبير القرآن: ﴿َشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾1].
فلابدّ لبلاد تنهض الجامعة بتربيتها سواء الجامعة الدينية وجامعتكم أنْ تكون جامعتها صانعة للإنسان، حتّى إذا تخرَّج فيها الشبّان كانوا إسلاميين لا غربيّين.
فالغربية ملازمة لتلك المعاني.
خمس عشرة سنة من الكفاح لتطبيق الإسلام:
الحرية التي يريدها الغرب هي بلا قيد ولا شرط، أي: أنّ مَنْ أحبّ شيئاً فَعَلَه.
فهي حرّية مخالفة للأخلاق والسنن الإنسانية، وغير محدودة بقواعد وقوانين.
أولئك يريدون مثل هذه الحريّة، والجمهورية الديمقراطية التي يريدها هؤلاء السادة هي من هذه الجمهوريات الغربية المأخوذة بالحريّة المطلقة العنان.
وبلادنا بذلت مِن الدماء كثيراً، لا لتكون غربيّة المسار.
وشعبنا أراق الدماء في سبيل الإسلام، وتجشّم الصعاب، من أجلِه، فقد عانى خمسةَ عشر عاماً، لتكون بلاده إسلامية تحكمها قوانين الإسلام.
فنحن لا نريد قوانين الغرب، ولا تربيته، وإنّما نريد تربية إنسانية تجعل بَعْضَنا يحبّ بعضا، ويرفق به في محيط لا أخشاكم فيه، ولا تخشونني.
فهو محيط رحمة وسكينة، لا محيط وحشة وضغينة.
ــــــــــــــــــ
[1] سورة الفتح، الآية: 29.
المصدر: دار الولاية للثقافة والإعلام