حجة الاسلام و المسلمين السيد أحمد الخميني(رض)

حجة الاسلام و المسلمين السيد أحمد الخميني(رض)

عندما فتح عينيه على هذه الدنيا في يوم الخامس عشر من شهر آذار سنة الف وتسعمائة وخمس واربعين ميلادية. التقت نظرته بنظرة الأبّ، ومنذ تلك اللحظة ارتبط مصير هذا الوليد بمصير والده إلى الأبد.

من الولادة إلى الخامس عشر من خرداد
عندما فتح عينيه على هذه الدنيا في يوم الرابع والعشرين من شهر اسفند سنة الف وثلاثمائة وأربع وعشرين هـ.ش والموافق ليوم الخامس عشر من شهر آذار سنة الف وتسعمائة وخمس واربعين ميلادية. التقت نظرته بنظرة الأبّ، ومنذ تلك اللحظة ارتبط مصير هذا الوليد بمصير والده إلى الأبد. فكان أوّل صوت طرق مسامع هذا الطفل نذاء الأذان الملكوتي بلسان »روح الله«.
قضى »أحمد« طفولته في جوٍّ عائليّ دينيّ، إذ أنّ الخميني العظيم ربّ العائلة ببحثه عن طرق لأداء الواجبات الإلهية في هذه الأجواء المضطربة كان يُضفي قوة وحناناً على ذلك الجوّ. في منتصف الليل كان يسمع صوت أبيه وهو يتلو القرآن ويُناجي الخالق عزّ وجلّ، وفي النهار كان يسمع صوته وهو يتحدث عن العلم والجهاد والنضال وكيف يخلّص الناس العب الايراني المظلوم من نير الملوك الظلمة، وكان يتحدّث عن كشف الأسرار وتحرير الإسلام وتهذيبه من الأفكار الدخيلة والخرافات البالية. كان يبحث عن سبيل لإعادة مجد وحضارة الإسلام، وخلاصة القول انّ الإمام (قدس سره) كان يتحدَّث عن نضال وكفاح صعب ومرير وفي مختلف الجبهات.
قضى »أحمد« طفولته وشبابه في ظروف ماديّة صعبة، إذ كان الدخل الوحيد لهذه العائلة عائد عقار موروث للأب في مدينة »خمين« وكان قليلاً جداً إذ لم يكن كافياً لتأمين احتياجاتهم الأوليّة. لم يعدل الإمام الخميني (رض) عن طبيعته العفيفة وفطرته الزهديّة،لا في هذه الأيام ولا في الأيام التي سبقتها، ولا حتى في الأيام التي أصبح فيها قائداً عظيماً ومُقتدراً لبلد كبير ولملايين الناس.
أجل، تربَّى »أحمد« في حضن أمّ كانت حقاً »سيدة الثورة الإسلامية العظيمة« وقد لُقّبت بسيّدة الصبر والإستقامة، سيدة عظيمة حباها الله تعالى هذه المنـزلة لتكون زوجةً ورفيقةً لشخصية كالإمام الخميني (قدس سره). نساء جيل الثورة عندهن مثال كهذه المرأة العظيمة إذ استطعن أن يصبحن طلائع ثورة الخميني (قدس سره). كان حضن السيدة الفاضلة والمضحّيّة »خديجة الثقفيّ« الحنون ربّى أبناء امثال »مصطفى وأحمد«، وأعدهم للدفاع عن دين الله في الوقت الذي بدأ الخميني (قدس سره) النهضة الإلهية وقام بثورته العظيمة.
نشأ »أحمد« في جوًّ عائليّ خالٍ من الإجبار والسيطرة وفرض آراء الوالدين على الأبناء، كما كان الحال في أغلب الأسر الدينيّة في ذلك الوقت. تنحصر تربية الإمام في إطار الشرع الإسلاميّ، إذ يمنح الأبناء حرية محددة بحدود الشرع. كان جوّهم العائليّ حسب ما متوافر من شواهد ووثائق كثيرة مليئاً بالمحبة والبساطة والحرية، وتحمّل المسؤولية برحابة صدر من قبل الجميع. وبشكل طبيعيّ في مثل هذه الأجواء تصرفات ونصائح الوالدين تؤثر بمثابة معايير لإنتخاب الطريق السليم والحرّ.

الخامس عشر من خرداد بداية تحوّل عظيم في حياة أحمد
كان السيد أحمد شاهداً لصرخات الخميني (رض) المطالبة بالحقّ، وقد رأى إضطراب ووحشية نظام الشاه، ورأى أيضاً إعتقال والده في منتصف الليل وهو يؤدِّي صلاة الليل، وقد سمع بعد ذلك صرخات النساء والرجال وهم يهتفون »إما الموت أو الخمينيّ« وشاهد جوّ الحزن والألم الذي طغى على مدينة »قم« والأبواب والجدران الملطخة بالدم في ليلة الخامس عشر من خرداد، وقد أشرف على الأحداث المرّة والحلوة في الأشهر التالية للثورة. فقد كانت طلائع الثورة في جهة من هذه الملحمة، وفي الجهة الأخرى صمت ولا مبالاة طلاب الدنيا والسلطة من المنافقين والمتملقين.
وفي غياب الوالد في سجون طهران، كان الحاج السيد مصطفى الخمينيّ الإبن البكر للإمام (رض) من الشخصيات الثقافيّة المعروفة في مجال العلم والجهاد في حوزة قم، وكان مسؤولاً عن تنظيم شؤون مكتب ومنـزل الإمام (رض) وقد وفرت هذه الحالة في تلك الأيام فرصة ذهبية ساعدت أحمد في أدَِّق مراحل حياته.

بدء رسالة أحمد التاريخية في غياب الوالد
شاهد أحمد مرة أخرى محاصرة منـزل والده في (13 آبان سنة 1343 هـ.ش – 4 تشرين الثاني 1964م)، وسمع أصوات رجال الأمن الذين إعتقلوا والده وهو يؤدّي صلاة الليل، وقد طلب الإمام من أفراد عائلته في تلك اللحظة عدم التدخل، وأوصاهم بالصبر والصمود أمام المشيئة الإلهية.. أخذوا روح الله الخميني الكبير إلى طهران، ومن هناك ابعدوه إلى أول منفى له في تركيا.
وبهذا بدأت مرحلة آلام ومتاعب الأسرة بغياب الأب في منفاه، وقد أدّى كلّ فرد من أفراد العائلة وظيفته بأكمل وجه، وقد تحمّل السيد »مصطفى« مسؤولية حماية قِيَّم الثورة، وساروا على نهج الإمام في طريق الدفاع المقدَّس.
لم يمض وقت طويل، حتى إعتقلوا السيد الحاج مصطفى الخميني، ونُفي إلى تركيا ثمّ إلى العراق. وقد إعتقد رجال نظام الشاه أنّهم فتحوا آخر حصن، وأنّ ملفّ الثورة قد أغْلِقَ إلى الأبد، وكانوا غافلين عن إرادة الله عزّ وجلّ، وعن قدرته في حفظ وحماية ثورةٍ وضع قواعدها عارفٌ إلهيّ.
بدأت في هذه الأيام إرتباطات وعلاقات أحمد مع شخصيات دينيّة مشهورة ومع طبقات المجتمع الأخرى، ووجد أحمد في هذا الوقت شيئاً من ضالته بوعيه وتجربته الشخصيّة ومعرفته العميقة. وقد نوّرت أفكار وآراء الخميني (رض) قلوب محبّي الحقّ وطالبيه كشمس مشرقة خاصة قلوب الجيل الجديد والشاب الذي وجد نفسه مدْعواً مرةً أخرى لمعرفة وضع بلدهم الثقافيّ والدينيّ في تلك الفترة.
كان وجود »أحمد« تذكار الإمام بعد نفي والده وشقيقه، في المنـزل الذي لقبه بمركز نهوضه، مع عدد محدود من أنصار الإمام الأوفياء الذين لم يعرفهم رجال الأمن ولم ينجحوا في إعتقالهم، كان سبباً لإبقاء شعلة الثورة متّقدة في هذا المكان.
خلق هذا الوجود متاعب ومشاكل جديدة لعملاء النظام وأصبحت تقض مضاجعهم وتسلبهم الراحة والأمان. وبعد فترة وجيزة من إنتقال الإمام (رض) والسيد الحاج مصطفى الخميني إلى العراق، سافرت أمّ أحمد (سيدة الثورة الوفية) مع جمع من النساء إلى العراق لتشارك زوجها وابنها آلام البعد والغربة في المنفى.


زواجه وأبناؤه
ارتبط السيد أحمد الخمينيّ (رض) بعد البحث والتشاور مع الإمام وبقية أفراد العائلة، يوم 11/7/1348هـ.ش (3/10/1969م) مع كريمة السيد السلطانيّ الطباطبائي الفاضلة، التي تعتبر عائلتها من العوائل المحترمة والدينيّة الشريفة في »قم« إذ أنّ أجداد هذه العائلة جيلاً بعد جيل كانوا من أصحاب الفضيلة في الحوزات العلميّة المعروفة.
وكانت ثمرة هذا الزواج المبارك ثلاثة أبناء: السيد الحاج حسن الخميني، والسيد الحاج ياسر الخميني، والسيد عليّ الخميني.
أحمد في حصون المقاومة الأخرى (سنوات قبل الأنتصار)
الإتّصال بآية الله الخامنئي، الشيخ هاشمي رفسنجاني، الشهيد اندرزكو، والشهيد محمد المنتظريّ
من أهم صفات خصال خلف الإمام الأمين هي مشاركته في ميادين العمل عن كثب، وخوضه شخصياً التجارب المرتبطة بأهدافه. كان معتقداً أنّ حضوره في اتخاذ القرارات والإشراف الكامل عليها لا تكون كافية لوحدها لأجل الوصول الى الهدف، بل يجب عليه أنْ يُشارك في تلك المسائل المتعلقة بأهدافه. لذا رأينا كيف أنّه لم يكتف بمشاركته وحضوره في مراكز إتخاذ القرارات ومجالس الدولة المهمة خلال قيادة الإمام (قدس سره) للجمهورية الإسلامية، وحتى في الفترة التي تلت وفاته (رض)، بل كان دائماً وعن طريق زياراته المتكررة وخاصة إلى المناطق البعيدة والمحرومة، يشارك الناس ومن قريب مشاكلهم، ومعاناتهم. ونلمس هذا في كتابات مسؤولي لجنة إمدادات الإمام للإغاثة ومؤسسة الخامس عشر من خرداد، ومؤسسة الشهيد، إذ ذكروا في مذكراتهم أنّ السيد أحمد كان يطلب بإصرار شديد الإنتماء إلى هاتين المؤسستين، وأن يكون عضواً فيهما وذلك لأجل أن يلمس آلام ومتاعب الناس بشكل مباشر، ويشارك في حلّ مشاكلهم، وليحصل على الأجر والثواب من خلال مشاركته في خدمة المستضعفين.

مرافقة الإمام في الهجرة إلى باريس
كانت هجرة الإمام المصيريّة من النجف الأشرف إلى باريس بداية فصل سقوط أركان النظام الملكيّ في إيران، وقد دقّت أجراس فشل أمريكا في أفضل قاعدة لها من ناحية الأمن والموقع الحساس. وكان »أحمد« في هذه الهجرة والحادثة العجيبة ملازماً للوالد ومشاوره. كان دوره هذا واضحاً ومؤثراً إلى حدٍّ أنّ الإمام (رض) قد أشار في وصيته الخالدة إلى ذلك، وصرّح بأنّ »أحمد« كان المشاور الوحيد لتلك الحركة التاريخيّة.

مساعي أحمد البنّاءة في نوفل لو شاتو
رافق تذكار الإمام الخمينيّ العزيز مهاجر النهضة العظيم في هجرته إلى باريس تاركاً بغداد وذلك في شهر مهر سنة 1357هـ.ش (تشرين الأول سنة 1978م) حاملاً معه خبرته خلال سنوات نضاله ووقوفه بوجه النظام البهلويّ في إيران، مع ما اكتسبه من قيم معنويّة وعلميّة في السنوات التي قضاها في الحوزة العلميّة بقم. رافق الإمام ليكون له عوناً وسنداً في أكبر تحوّل ثقافيّ وسياسيّ حدث في العالم الإسلامي.
مطالعات أحمد السياسيّة و الاجتماعية، ومعرفته الدقيقة لماهية الأحزاب والفئات السياسية في الساحة الإيرانيّة في تلك الفترة، إضافة إلى فراسته وفطنته، كلّ ذلك ساعده لضطلع على أحسن وجه في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ النهضة.


دخول إيران مع ربَّان سفينة الثورة
وأخيراً، أشرقت شمس الثورة الإسلامية، وذلك يوم الثاني عشر من شهر بهمن سنة 1357هـ.ش (4/2/1971م)، وأُقيم اكبر إستقبال في التاريخ، إذ قرّر الإمام الخميني (رض) العودة إلى الوطن في أصعب الظروف، فكان خبر إغلاق المطار منتشراً في كلّ مكان، وكذلك احتمال تفجير الطائرة، وحدوث الانقلاب العسكريّ الدامي، والاقارب والأصحاب كانوا خائفين على حياة الإمام (رض)، وكانوا يطلبون تأجيل سفره إلى أنْ تتوفر الظروف المناسبة. وأعداء الثورة أيضاً كانوا يرون أنّ وجود الإمام في إيران بمثابة نهاية حتميّة لنشاطهم، لذا تشبَّثوا بكلّ الوسائل والأساليب لمنع هذه الرلة المصيرية، على أمل أن يجددوا في هذه الفترة طريقاً لإخماد الثورة داخل البلاد، أو إخماد صوت قائد الثورة خارج البلاد.
شارك السيد أحمد الإمام (قدس سره) قراره العجيب، مثلما رافقه في هجرته إلى باريس، وكان مشاوراً أميناً، ومرافقاً وفيّاً، وصاحباً حريصاً للإمام (قدس سره). وقد شارك -كما كان يفعل سابقاً-، في تمهيد مقدمات هذه الرحلة، إذ غيّر الطائرة التي حملت الإمام (قدس سره)، إنتخب مرافقي الإمام (قدس سره)، وقام بالمراقبة اللازمة بكلِّ حذر وذكاء حتى يصل ربَّان سفينة الثورة التي قد تتعرض في أي لحظة لأيّ حادثة من مئات الحوادث التي كانت تنتظرها، ليصل بسلامة وأمان إلى ساحل مُزيّن بملايين النفوس الثوريّة الواقفة على أحرّ من جمر لإنتظاره.
أصبح مستشار الامام الأمين، ومكمن أسراره، وقضى حياته في حرم الإمام (قدس سره). وقد كان جديراً بذلك، وجدارته نتيجة لدعاء والده العظيم الإمام الخميني (قدس سره) عندما قال: »اللهم اجعل أحمد محموداً عندك«.

"تذكار الإمام والإنقلاب الثاني"
(السيطرة على مركز التجسُّس الأمريكيّ)
قضى تذكار الإمام الخميني (قدس سره) أكثر من نصف عمره في خوض حوادث نهضة الإمام الخمينيّ (قدس سره)، والثورة الإسلاميّة. لذا فإن ذكر دور ومهام هذا العزيز خلال أحداث مراحل النهضة المليئة بالمطبّات والتقلبّات المختلفة، يعتبر في الحقيقة ذكر أهم مرحلة من مراحل سيرته الذاتية.
ومن أهم الوقائع التي حدثت في السنة الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، والتي كانت نقطة تحوّل رئيسيّة في حركة الثورة، وكان لها تأثير عميق على المعادلات السياسية والأحداث المرتبطة بالثورة الإسلاميّة في الداخل والخارج، حادثة السيطرة على وكر التجسّس الأمريكيّ في إيران، والذي بشكل مباشر قرابة خمسة عشر شهراً على سياسة إيران الداخليّة وعلى علاقات الجمهورية الإسلامية الخارجيّة.

الحرب المفروضة ودفاع الشعب لثماني سنوات
دور أحمد إلى جانب الإمام
يوم الحادي والثلاثون من شهر (شهريور) سنة 1359 هـ. ش (22/9/1980م) كان يوماً مرعباً ازعج هدوء العالم النسبي.
كان المرحوم السيد أحمد الخميني يدير مكتب الامام الخميني على أحسن وجه وذلك بأستخدام أفضل السبل، والاعتماد على أفضل الخبراء وأكثرهم اطمئناناً، وكان يقوم بجمع المعلومات والبيانات يومياً عن آخر الاحداث، وعن وضعية قواتنا، وعن حالة قوات العدو في جبهات القتال المختلفة، وكذلك جمع المعلومات حول أوضاع المجتمع السياسية والاجتماعية، ويدرس حالة الافراد والاحزاب وموقفهم من قضايا الحرب، ويقوم ايضاً بجمع آخر الأخبار والبيانات عن مواقف الدول السياسية والعسكرية، ومعرفة اوضاع المحافل الدولية ومواقفها من احداث الحرب، وكان يحاول التعرف على مواقف الاذاعات الاجنبية وغيرها من وسائل الاعلام، ويجمع الاخبار وينظمها بشكل صحيح ثم يوصل هذه المعلومات الى القائد العام للقوات المسلحة. وبالاضافة الى كل هذا، كان السيد احمد الوسيط الامين بين الامام الخميني (رض) والقادة العسكريين، اذ يبلغهم رسائل وخطابات الامام السرية والعلنية بشكل سريع وفعال، وكان يشارك بأستمرار في اجتماعات المجلس، ويعطي رأيه ووجهة نظره للأمام (رض) حول كل الامور، وكان يقوم ايضاً بتنظيم وترتيب لقاءات الامام مع المقاتلين والمتطوعين ومع قيادة القوات العامة، وقد اضطلع بهذه المسؤولية خلال ثماني سنوات من الدفاع المقدس الى جانب أعماله اليومية المهمة في مكتب الامام الخميني (رض) وقد أدى واجبه اتجاه الامام والوطن على أتم وجه.

احمد ومرحلة ما بعد الامام
فاجعة رحيل ذلك العظيم ومصيبة وفاته كانت أليمة جداً، لدرجة كان يصعب  تصورها على انصار الامام ايضاً، عندما وقعت تلك المصيبة العظمى، هيمنت أجواء الحزن والالم والقلق على الجميع بشكل لم يكن باستطاعة احد التفكير بالمستقبل.
وفي هذا الصدد يتحمل السيد"احمد" مسؤولية عظيمة، ويضطلع بدور بارز في هذا الوقت العصيب. لقد كان لسنوات عديدة حامل رسالة الامام الامين، ومشاوره المخلص، وناقل آراء الامام بصدق واخلاص، ولكل من كان يريد معرفة رأي ووجهة نظر الامام (قدس سره) في المواقف الحساسة، وفي احداث النهضة الخطيرة.
إنه ابن من لم تؤثر فيه مصيبة فقد أعز اعزائه السيد "مصطفى"، الذي كان أمل مستقبل النهضة، وكان علمه وكماله وجهاده وتدبيره لم يبق أي شك في أنه أحق وأصلح من يواصل نهج والده الامام (رض). عندما سلبه اعداء النهضة من الامام (رض)، رغم أنه قضى عمره كله برفقة الامام، وكان مؤنسه في أيام النفي بتركيا، وأنيسه في غربته في النجف الاشرف، وقضى كل ساعات عمره الى جانب أبيه، وتربطه بالإمام علاقة رابطة عاطفية عميقة ومليئة بالمحبة، الا ان الامام لم يظهر الم وحزن مصابه العظيم بفقد ذلك العزيز، وانما تصرف كالحسين (ع) اذ قال:"الهي رضا برضاك" وقاد النهضة الالهية بحماس وشوق أكبر.
وقد دعا السيد احمد بعض انصار واعضاء مكتب الامام قبل الوداع الاليم ليلة الرابع عشر من خرداد سنة 1368هـ.ش/ 6/6/1989م بدقائق قليلة، وتباحثوا حول طريقة اداء مراسم التوديع لجثمان الامام الطاهر (رض)، وذلك في مصلى طهران، وكذلك مراسم تشييع ودفن جثمانه المطهر، والتفكير بتنظيم مجالس التعزية، وزيارة والدته المفجوعة برفيق دربها، وزيارة اخواته واهل بيته المفجوعين. ثم جلس مرة اخرى الى جانب جثمان الامام الطاهر ليكتسب من روحه الزكية، ومن وجهه المشرق بنور الايمان، والغارق في نومه الابدي، يكتسب من الامام قوة وعزماً، ويستلهم منه الصبر والسلوان.

الخصال الانسانية، القيم الاخلاقية، والمراتب العلمية
يؤكد علم النفس التربوي، وهو فرع من فروع العلوم الانسانية، على أهمية العوامل الوراثية الفائقة في البناء الروحي والتكوين الداخلي والمعنوي للأبناء، وكذلك تأثير المحيط العائلي العميق، وخاصة سلوك الاب لكونه نموذج ومثال ابن بعد مرحلة الطفولة، وفي مرحلة نموه العاطفي والعقلاني. وقد وضح هذه النقطة مذهب الاسلام التربوي توضيحاً كاملاً. وقد وردت في كتب الحديث أقوال أهل بيت النبوة (ع) حول هذا الامر وبشكل كبير جداً.
لذا، ومع ملاحظة المراتب الرفيعة للدرجات الاخلاقية والتربوية التي بلغها الامام الخميني (رض)، وحصل عليها من الاسلام الحقيقي وآدابه الاخلاقية، وقد انعكست هذه الاخلاق والسجايا، والسلوك الفردي والعائلي والاجتماعي للامام (رض)، وآداب معاشرته، انعكست وتجلت في ابنائه، ومنهم السيد الحاج احمد الخميني.
وقد نشرت مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام مؤخراً كتاباً  بعنوان "خزانة القلب" وهو عبارة عن مجموعة خواطر وذكريا للاصدقاء في وصف تذكار الامام" وتضم جوانب من آداب معاشرته، وسجايا نجل الامام الخميني الاخلاقية.
ويمكن القول باختصار أن ذلك المرحوم السيد احمد كان يتصرف مع الناس بسلوك حسن، ووجه بشوش ومرح، مع خلق كريم وسمح. ولم نر منه تصرفاً خشناً الا مع اعداء النهضة والامام (قدس سره)، وكان كريماً سمحاً في سلوكه وتصرفاته الشخصية، وكان بعيداً عن الحقد والضغينة حتى مع الذين أساؤوا التصرف معه، وكان يتعامل مع الجميع بهذا الخلق، حتى مع الذين لا بتفق معهم، واذا شعر انه آذى أحداً ولو بشئ قليل جداً، فان خلقه الكريم والسمح، وتواضعه الفريد يدفعه لكي يعتذر منه حضورياً او تحريرياً.
وقد سمى نفسه خادم الناس، وكان يقول دائماً ويفتخر بأنه يخدم الناس، وكان حقاً يؤمن بهذه العبارة ايماناً قلبياً، ويظهر ذلك على سلوكه وتصرفه الحميم مع الناس، سواء في جلسات اتخاذ القرارات، او في جلسات حل مشاكل الناس وتوفير احتياجاتهم، او في تصرفاته اليومية والاجتماعية لوم نشاهد شيئاً غير هذا السلوك الحميد.
وقد امتازت حياته ومعيشته بالبساطة اذ كان مقلد للامام (رض) فكانت معيشته عرفانية وزهدية. وكان لا يهتم ابداً بالدنيا ومظاهرها الزخرفية، وفي الحقيقة لا يعتني بالمسائل التي كانت سبباً لتعلق كثير  من الناس بهذه الدنيا الفانية. كان يرفض أي نوع من التجملات والرسميات، وعندما يكون مجبوراً للتواجد في مكان تهيمن عليه الرسميات والتجملات، كان يقول: أنني أشعر بالاختناق، وكان لا يستفيد من المرافقين، والحراسة المشددة الا عند الضرورة، وكانت جولاته في المدينة تتم بواسطة سيارة عادية (سيارة بيكان)، ومع شخص او شخصين من اصدقائه، وبعيداً عن الرسميات والتجملات. وعلى الرغم من توافر الامكانات المشروعة، الا انه قضى عمره كله كله في منزل استئجاري. كان يمتنع في معاشرة الاغنياء، ويكرر دائماً: انه يفضل القروي التقي والكربلائي النقي على المئات من الاغنياء المتعجرفين وكان معظم اصدقائه واصحابه كانوا من مناضلي النهضة، ومن انصار الامام الخميني (رض).
ويعتبر تفقد شؤون المحرومين وحل مشاكل المستضعفين واجباً شرعياً، وقد نقل الاصدقاء مراراً على لسانه أنه كان يقول دائما: ان افضل واجب شرعي بعد الصلاة والصوم، هو تفقد امور الناس ومساعدة المحتاجين. وكان يكرر دائماً اذا اردت السعادة الابدية فعليك ان تكون طيباً، ولا تقتصر التقوى على الصوم والصلاة وذكر الله بل يجب أن تقترن الواجبات الشرعية بمتابعة وتفقد امور الناس، وحل مشاكلهم قدر المستطاع، وتحمل جزءاً من آلامهم، وأن يكون وجوده نافعاً ومفيداً للاخرين، وبعد وفاة الامام الخميني (رض) وعلى الرغم من التزاماته ومهامه الكثيرة، الا أن السيد احمد الخميني وجد بعض المجال للقيام بتدريس الادب العربي وكانت إحاطته بأسس الفقه والاصول ضمن الدرس مشهوداً تمماماً، ولا يترك أية نقطة دون أن يشرحها شرحاً ولفياً ليفهمها الطلاب.ويجب القول ان ذاكرته تعتبر موسوعة في القضايا السياسية اليومية، وبسبب هذه المعلومات القيمة، وهذه الفطنة والفراسة السياسية، كانت توقعاته السياسية في حديثه مع الاصدقاء، وفي المحافل والمجالس الرسمية والسياسية في البلاد، مطابقة للواقع في اغلب الأحيان.


"مرض ورحيل تذكار الامام "
أثار خبر دخول تذكار الامام المستشفى، وذلك صباح يوم الحادي والعشرين من شهر اسفند سنة 1373 هـ.ش/ 12/3/1994م موجة من القلق والاضطراب في "جماران"، وبعد إذاعة الخبر، وبشكل رسمي، حدثت في ايران ضجة عارمة لم تشهد مثثيلاً لها الا أثناء مرض الامام الخميني (رض) ونظراً لقرب المستشفى من منزل تذكار الامام، وصل المسعفون بسرعة وقاموا بالاسعافات الاولية، ونقل إلى قسم العناية المركزة في مستشفى (بقية الله) لأمراض القلب، وبعد لحظات حضر الاطباء المختصون ومن مختلف الاختصاصات، وبدأوا بتشخيص المرض ومداواته تحت اشراف الدكتور عارفي، والدكتور طباطبائي (أخصائي في امراض القلب، وشقيق زوجة السيد احمد).
سادت أجواء الحزن والالم مختلف أنحاء البلاد بعد نشر الاخبار الصادقة عن حالة نجل الامام الصحية، وكانت الأجواء حزينو ومؤلمة لدرجة يعجز القلم عن وصفها، ولا يمكن أن يتصوره انسان الا الذي عايش تلك الاجواء الحزينة.
خمسة ايام مرت، والشعب الايراني وملايين المؤمنين في انحاء العالم، يتضرعون الى الله عز وجل طالبين مساعدته في محنتهم هذه، وتتكسر عبراتهم في صدورهم ويرتفع أصوات بكائهم في أزقة جماران شيئاً فشيئا، وتخييم أجواء الحزن والام على كل انحاء ايران والعالم الاسلامي. وتصل آلاف الرسائل الى جماران ومكاتب المسؤولين، من محبي الامام (رض) والعارفين بقدره وقدر عائلته الكريمة، وهم يرجون قبول طلبهم بأهداء قلوبهم لنجل الامام.
لم تنجح محاولات الفريق الطبي لانقاذ حياة السيد احمد، وبعد مرور خمسة ايام عصيبة على محبي الامام والثورة الاسلامية، التحقت روحه الطاهرة بخالقها الرحيم، ولبت نداء الحق في مساء يوم الخامس والعشرين من شهر اسفند سنة 1373هـ.ش (16/3/1994م)، ونالت كل ما تمنته في الايام التي مرت بعد وفاة الامام (رض)، والتقت بروحه الطاهرة في السموات العليا. وسيظل اسمه وذكره وصورته حية الى الابد في قلوب محبي الثورة الاسلامية، والى جانب اسم "الامام الخميني" المبارك .. رحل تذكار الامام عن هذه الدنيا الفانية، وترك وراءه عالماً حزيناً يضم كل المؤمنين بالله ورسوله، وهم في عزاء وبكاء أليم."انا لله وانا اليه راجعون".

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء